[ هذه المادة هي جزء من ملف خاص بعنوان "كبرت النكبة". وهو ملف متنوّع حول نكبة فلسطين ستقوم "جدلية" بنشره على مدار الأسبوعين القادمين.]
لقد حصلت على "إنفوزيا" نكبة في الوريد يكفيني لخمسين سنة قادمة، وأنا الذي يضرب عرض الحائط نصياً على الأقل بكل ما له علاقة برموز وطنية ومناسبات تاريخية جاهزة يتم اختزالها في يوم ذكرى محدد، أو حتى في فترة تمتد بين التقويم العبري والتقويم الميلادي...لقد حصلت هذه السنة على النكبة كمصل مر في الوريد، بدأ ذلك عندما زارني صديق فلسطيني- سوري من اليرموك يقيم في برلين ويحمل الجنسية الكندية، كي أصحبه إلى قرية لوبية المهجرة، وهي القرية التي هجرت منها عائلة والده في 1948 ومن ثم هجرت جدته للمرة الثانية قبل عام من اليرموك، وهكذا أنزلنا تطبيق iNakba الذي يعطي إحداثيات ومواقع كافة القرى والمدن المهجرة عام 48 وكيفية الوصول إليها بالمسارات والمسافات وتوقيت الوصول...لا أعتقد أنني في أسوأ كوابيسي السوداوية (ولدي الكثير منها) تخيلت أنني أقود سيارتي وفق خارطة من الخرائب والمغر الخاوية المشكوك في تاريخها وأنصاف أقواس حجرية تحولت إلى مقامات لأولياء وصناع معجزات من رجال الدين اليهود الذين يتقنون تخليص الفتيات الشرقيات الحزينات من كربهن.
نتمشى أنا وصديقي في غابة لوبية المستحدثة، نحاول البحث عن شيء ..أي شيء ..مقبرة ..عظام، أقواس، بئر، بئر أخرى، حائط بيت، عتبة بيت، شجرة تين..أي شيء يدلنا على بيت الجدة بحيث تتكلل مهمتنا بالنجاح فنبكي قليلاً ونعود أو بالأحرى أعود إلى حياتي البرجوازية الناعمة بعد الغد..لأنه في الغداة سنتوجه بواسطة تطبيق iNakba مع الجماهير الغفيرة نحو قرية "الحدثة" المهجرة التي أسمع بها لأول مرة في حياتي، ألم أقل إنها نكبة في الوريد!!...لا يسعفنا التطبيق هذه المرة، نتوه، نتوه طويلا في ديار ضائعة قريبة ولكنها بعيدة جداً، ثم يهطل المطر بغزارة ..نغوص في الوحل ..تشرق الشمس ...نسير 10 كلم، نصل إلى مكان لا أثر فيه لقرية...هي مساحات شاسعة من كافة ألوان الوجود، كروم عنب لا تنتهي، حقول قمح، مزارع لوز وزيتون..ولكي تكتمل الدراما نهائيا ..أقول لصديقي: “انظرْ، هذه بحيرة طبريا، وتلك سوريا”...تنهمر دموعنا بغزارة لتروي فدادين الخضرة ..يأتي صوت لشخص يبدو واثقاً من كل كلمة يقولها:"هذه الجبال تابعة لشمال الأردن..سوريا أبعد شمالاً"...تعود الدموع إلى عيوننا الحمراء من شدة الغبار بتيار دفع عكسي...
أقربعدها العودة إلى خرائطي "الطبيعية" وإحداثياتها الحقيقية فأعود إلى حياتي ونكباتها الصغيرة...ديوني التي لا تنتهي للبنك لأن مدخولاتي هي أقل مما أصرف، أتوجه إلى البنك لحل المشكلة ...هنالك قوس حجري مريب يخرج من الأرضية ..هل أقيم البنك كمشروع استعماري صهيوني على حي مهجّر...بت أشك في كل قوس وكل مغارة..أشعر أنني أعيش فوق غابة من البيوت المهجرة والمقابر الجماعية ...لو لم يسرقوا منا (أي من أجدادي عام 48) تلك الأرض لكنت بعتها الآن وسددت ديوني للبنك...أعود إلى هوايتي المفضلة..السير في الجنازات، يخبرني رفيق الجنازة ونحن نسير خلف التابوت أن المرحوم هو من أواخر الأشخاص الذين تمكنوا قبل 1948 من الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت وممن تمكنوا بعد تخرجهم من العودة إلى هنا قبل إغلاق أبواب السجن حاملين تلك الذاكرة.تلك الذاكرة.
علي من اليوم وصاعداً التحرر أكثر وأكثر والالتفات قليلا لحياتي الجنسية ..الجنس يحرر الشخص من كل حالة هلع مفتعلة أو يقلل من أثر كل موجة ذعر قادمة لا محالة ..عليَّ التوجه أكثر وأكثر بسيارتي للقرى المهجرة حولنا للتعرف على شركاء جنسيين محتملين بسيارات BMW.